خطوه بخطوة

مقاومة المضادات الحيوية: القاتل الصامت الذي يهدد حياة الأطفال

كتب: محمد النجار

في الآونه الأخيرة تصاعدت التحذيرات من أزمة صحية عالمية صامتة لكنها مميتة: مقاومة المضادات الحيوية. هذه الظاهرة التي تتطور بصمت تهدد بتقويض أحد أعمدة الطب الحديث، إذ تفقد العلاجات المعروفة فاعليتها، وتترك الأطباء في مواجهة بكتيريا لا تستجيب لأي دواء تقليدي وتؤذي بالاخص الأطفال لضعف مناعتهم واحتياجهم المتكرر للرعاية الطبية، فهم يقفون في الصفوف الأولى من هذه المعركة

مقاومة المضادات الحيوية تحدث حين تتمكن البكتيريا من التكيّف مع الأدوية التي كانت تقتلها في السابق. وهذا ما يجعل علاج العدوى البكتيرية أمرًا معقدًا وخطرًا، خصوصًا عند الأطفال. فقد أشار الدكتور أحمد زكريا، أخصائي أمراض الأطفال، إلى أن “البكتيريا باتت تتطور أسرع من قدرة الأطباء على تطوير مضادات جديدة”، مؤكدًا أنه شاهد بنفسه حالات متكررة لأطفال أصيبوا بعدوى شديدة لم تنفع معها العلاجات المعتادة بسبب هذه المقاومة، مما أدى إلى تدهور حالتهم بسرعة.

استخدام مفرط وغياب وعي

يعزو الأطباء والخبراء تفاقم الأزمة إلى الاستخدام غير المنظم والمفرط للمضادات الحيوية، سواء في المجال الطبي أو الحيواني. وتؤكد الدكتورة فاطمة محمود، أستاذة الميكروبيولوجيا، أن “الإفراط في استخدام المضادات سمح للبكتيريا بالتطور بسرعة فائقة، لتصبح أكثر قدرة على البقاء حتى بعد التعرض لأدوية كانت فعالة في الماضي”. وتضيف أن غياب الأدوية الجديدة يقوّض قدرة الأطباء على مواجهة هذا التحدي المتصاعد.

 

ولا تتوقف المأساة عند الأطباء والمعامل، بل تمتد إلى البيوت حيث يعيش الأهالي صدمات متكررة نتيجة لفشل العلاج مع أطفالهم.

إحدى الأمهات روت تجربتها المؤلمة مع ابنها الذي أصيب بالتهاب رئوي حاد. رغم العلاج، بدأت حالته بالتدهور لأن البكتيريا التي أصابته كانت مقاومة للمضاد الحيوي المستخدم وقالت: “كل محاولات الأطباء كانت بلا جدوى، وفي النهاية توفي الطفل لأن العلاج المناسب لم يكن متاحًا في الوقت المناسب”.

أرقام صادمة وحلول ممكنه

تشير البيانات إلى أن الخطر يتجاوز الحالات الفردية، فحسب منظمة الصحة العالمية، تُودي مقاومة المضادات الحيوية بحياة ما يقارب 700 ألف شخص سنويًا، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم إلى 10 ملايين وفاة بحلول عام 2050. الأطفال يمثلون الفئة الأكثر هشاشة، إذ يُقدر أن 200 ألف طفل يموتون سنويًا بسبب العدوى المقاومة للعلاج.

ويرى الدكتور محمود شريف، أستاذ الصحة العامة، أن المشكلة لا تكمن فقط في الجانب الطبي، بل أيضًا في غياب السياسات الوقائية والرقابة. “نحن بحاجة إلى تشريعات صارمة تنظم وصف وصرف المضادات الحيوية، إلى جانب حملات توعية تثقف الأطباء والجمهور حول مخاطر الإفراط في استخدامها”،

ويرى الخبراء أن الحل يبدأ من التوعية المجتمعية، وسَن قوانين صارمة لضبط استخدام المضادات الحيوية، ودعم البحث العلمي لتطوير أدوية جديدة، إلى جانب التنسيق الدولي لمواجهة هذا التهديد المشترك.

إن مقاومة المضادات الحيوية تهدد مستقبل الطب، خاصة في رعاية الأطفال الذين لا يملكون رفاهية الانتظار أو التجربة. وإذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة الآن، فإن العدوى التي كانت يومًا بسيطة قد تتحول إلى الإنهاء بحياة الاطفال .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى