كتب: عبد الرحمن صلاح
على الرغم من أن الوسواس القهري يُعتبر من أبرز الاضطرابات النفسية لدى البالغين، إلا أن الأطفال ليسوا بمنأى عن هذا الاضطراب المعقد. بل يمكن أن يصيبهم أيضًا، لكنه يظهر بأشكال مختلفة قد تجعل من الصعب على الأسرة والمعلمين ملاحظته، مما يؤدي إلى تأخير التدخل والدعم اللازمين.
يوضح الدكتور بهاء الشيخ، أستاذ الطب النفسي والعصبي، أن الوسواس القهري لدى الأطفال يتجلى في شكلين: الأول هو الوساوس، وهي أفكار متكررة تقتحم وعي الطفل دون إرادته، مثل الخوف المفرط من الأوساخ أو القلق من ارتكاب خطأ ما. والثاني هو الأفعال القهرية، مثل غسل اليدين بشكل مفرط أو ترتيب الألعاب والملابس بطريقة نمطية متكررة. ويؤكد الشيخ أن هذه التصرفات ليست ناتجة عن إرادة الطفل، بل هي ردود فعل تهدف إلى تخفيف القلق الداخلي الذي يعجز عن التعبير عنه.
يشير إلى أن من الأمور الأساسية التي يجب الانتباه إليها هي أن الوسواس القهري لدى الأطفال يمكن علاجه، وأن سرعة التدخل تلعب دورًا حاسمًا في النتائج. فكلما تم التعرف على الاضطراب في مراحله المبكرة، زادت فرص التحسن. هنا، يتضح أهمية دور الأسرة والمدرسة في الملاحظة والتفهم، بدلاً من وصف الطفل بأنه مزعج أو متطلب.
وفي دراسة أجراها الدكتور علي مصطفى، أخصائي علم نفس الأطفال، أشار إلى أن العديد من الأطفال الذين يعانون من الوسواس القهري يميلون إلى إخفاء سلوكياتهم خوفًا من التعرض للتوبيخ أو السخرية، مما يجعل عملية التشخيص أكثر صعوبة في البداية. ويرى منصور أن الأسباب قد تكون وراثية، خاصة إذا كان هناك تاريخ عائلي للاضطراب، أو قد تعود إلى خلل في كيمياء الدماغ، مثل اضطراب مادة السيروتونين المسؤولة عن تنظيم المزاج. كما أشار إلى أن الضغوط النفسية والتجارب الصعبة، مثل فقدان أحد الوالدين أو التعرض للعنف، قد تكون عوامل محفزة لظهور الوسواس القهري لدى الأطفال.
تؤيد الدكتورة هند خالد، استشارية الطب النفسي للأطفال، هذا الاتجاه، حيث أشارت إلى أن بعض الحالات النادرة من الوسواس القهري قد تظهر بعد الإصابة بعدوى في الحلق، وهو ما يُعرف طبيًا بمتلازمة “PANDAS”. وتؤكد هند أن التشخيص الدقيق يتطلب إجراء مقابلات نفسية مع الطفل وولي أمره، بالإضافة إلى استخدام استبيانات طبية متخصصة لتحديد شدة الأعراض.
وفيما يتعلق بالعلاج، تشير إلى أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يأتي في مقدمة الخيارات، خاصة تقنية “التعرض ومنع الاستجابة”، التي تساعد الطفل على مواجهة مخاوفه دون اللجوء إلى التصرفات القهرية. وفي بعض الحالات، قد يصف الأطباء أدوية مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ولكن ذلك يجب أن يتم تحت إشراف طبي دقيق.
تشير إلى أن دور الأسرة لا يقل أهمية عن العلاج النفسي، حيث تؤكد على ضرورة أن يدرك الوالدان أن الوسواس القهري ليس مجرد “دلع” أو مبالغة من الطفل، بل هو اضطراب حقيقي يتطلب الدعم والفهم والتعامل الخاص. فكلما شعر الطفل بالاحتواء، زادت قدرته على مواجهة مخاوفه وتخفيف الأعراض تدريجيًا. يُعتبر الوسواس القهري لدى الأطفال من الاضطرابات التي قد تمر دون أن نلاحظها إذا لم ننتبه لها، لكنه أيضًا من أكثر الاضطرابات استجابة للعلاج إذا تم اكتشافه مبكرًا. لذا، تبرز أهمية التوعية سواء في المنزل أو المدرسة، حتى لا يُترك الطفل وحيدًا في مواجهة أفكاره القهرية. فكل طفل يستحق أن يعيش طفولته بحرية، بعيدًا عن سطوة الوساوس أو ضغط الأفعال التي لا يستطيع التحكم فيها.