احتواء

ما بين الصمت والهمس… أطفالنا يواجهون صعوبات النطق دون دعم الكبار

كتب: محمد امير
في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الأطفال في الفصول الدراسية بالكامل الأسئلة والمناقشات غياب الصامتين  ليس خجلاً، بل لأنهم يعانون من تأخر في الكلام وهي مشكلة تتزايد بشكل كبير في المدارس دون أن تحظى بالاهتمام الكافي. تشير الدراسات إلى تزايد حالات تأخر الكلام بين الأطفال في سن المدرسة، مما يؤثر على مستواهم الدراسي ونموهم الاجتماعي والنفسي.
و في هذا الحوار الخاص مع الدكتورة ناهد فتحي، أخصائي التخاطب بجامعة عين شمس فتح ملف تأخر الكلام للأطفال و الجواب على الأسئلة الشائعة التي تشغل بال كل أسرة.
  • ما الذي يحدث لتأخر الكلام عند الأطفال؟ وهل هناك علامات لا يجب أن ينتبه لها الأهل؟
طبعاً تأخر الكلام عند الأطفال يأتي من عدم التحدث الأم لطفلها خصوصاً الأم عندما تتزوج مع زوجها جلسة هي و طفلها في الشقة و الطفل يبكي و الأم منشغلة بالهاتف المحمول و لا تتحدث معه و بالتالي يصاب الطفل بالتأخر اللغوي فيجب الاحتواء بالطفل و التحدث إليه و طبعاً عندما يولد الطفل، يُفحص من قبل الطبيب لتحديد أي مشاكل صحية، خاصة في الفم والحلق. يمكن الكشف عن مشاكل مثل الشفة الأرنبية وسقف الحلق المفتوح، والتي قد تؤثر على قدرة الطفل على التكلم. يتم الكشف عن هذه الحالات عادةً بعد الولادة مباشرةً من قبل الطبيب، الذي يمكنه تحديد ما إذا كان الطفل يعاني من مشاكل في النطق أو اللغة
  • كيف يمكن التمييز بين تأخير الطبيعي في الكلام وتأخر يحتاج إلى علاج؟
لكن يجب أن نُفرّق هنا، فهناك بعض الحالات التي يكون فيها التأخير نتيجة عيوب خِلقية، مثل بعض التشوّهات التي قد تحتاج إلى تدخل جراحي هذه ليست حالات طبيعية، بل تتطلب علاجًا محددًا وإجراءات طبية، كإجراء عمليات جراحية لترميم سقف الحلق إذا كان مفتوحًا. في هذه الحالة، لا بد من إجراء جراحة لتجميع الأنسجة والعضلات في منتصف الحلق، حتى يتمكن الطفل  من النطق بشكل صحيح هذه الأمور معروفة طبيًا
أما التأخر الذي تحدثتَ عنه، والذي يُعد تأخرًا طبيعيًا  أي الناتج عن ضعف في المحفزات أو عدم تفاعل الطفل مع المحيط فيُعالج بأساليب أخرى غير الجراحة، مثل الجلسات التخاطبية، وتكثيف التفاعل اللغوي مع الطفل
  • ما هي الآثار النفسية الاجتماعية التي قد تسببها تأخر الكلام على الطفل في المدرسة؟
عندما لا يكون هناك تواصل لغوي كافٍ داخل المنزل، أو لا يتم تحفيز الطفل على الكلام، غالبًا ما تظهر لديه مشكلات في النطق، مثل إبدال أو تشويه أو قلب الحروف فقد يخطئ في نطق الكلمات
مثلاً هالو بدلاً من خالو تلب بدلاً كلب وفي مثل هذه الحالات، قد يتعرّض الطفل للسخرية من الآخرين، مما يسبب له أذى نفسيًا    ويدفعه لتجنّب الحديث خوفًا من أن يُضحك عليه أو يُستهزأ
الأطفال الذين يعانون من تأخر في النطق أو مشاكل في مخارج الحروف هم أكثر عرضة للتنمر، لا سيما من زملائهم في المدرسة الأطفال الآخرون قد يسخرون منهم عندما يخطئون في نطق كلمة ما، وهو ما يترك أثرًا سلبيًا على نفسية الطفل ويزيد    من عزلته
أما عن دور المدرسة، فغالبية المدارس لا تولي هذا الموضوع الاهتمام الكافي. بل قد يشارك بعض المعلمين في الضحك على الطفل دون وعي، بينما هناك معلمات يمتلكن حسًا إنسانيًا ومهنيًا عالياً، فيرفضون السخرية، وينبّهن زملاء الطفل لماذا تضحكون لا يجوز ذلك وهذا هو التصرف السليم
من الضروري جدًا أن نتعامل مع هذه الحالات بحساسية، سواء في المنزل أو في المدرسة لا يجب أن نضحك مع الطفل أو نسخر من طريقة نطقه، بل علينا تصحيح الكلمة بشكل إيجابي، وتشجيعه على النطق السليم دون توبيخ أو إحراج. فعندما يخطئ الطفل في نطق حرف، كأن يقلبه أو ينطقه بطريقة غير صحيحة، يجب على الأهل أن يصححوا له الكلمة بلطف وبدون سخرية
في هذه الحالات، يكون الحل هو التوجّه إلى أخصائي التخاطب، الذي يعمل على تعليم الطفل مخارج الحروف السليمة، ومساعدتهم على النطق الصحيح. الأخصائي هنا يصبح بمثابة البديل للأم، في تدريب الطفل على النطق السليم داخل الجلسات، مع ضرورة تعاون الأسرة في المنزل، لتثبيت ما يتعلمه الطفل في الجلسات
  • ما هي الخطوات أو البرامج العلاجية التي تساعد في تحسين قدرات الطفل اللغوية وبالتالي يمكن تمييزه للتنمر؟
عند زيارة أخصائية التخاطب، يتم تقييم حالة الطفل بدقة، ويتم إعداد برنامج علاجي يهدف إلى تطوير مهاراته اللغوية تدريجيًا.
والجدير بالذكر أن هناك عدة برامج متخصصة تم تطويرها في مصر خلال السنوات الأخيرة، خاصة من قِبل الدكتورة داليا مصطفى عثمان، التي أسهمت بشكل كبير في إعداد برامج علاجية تخاطبية باللغة العربية، بعدما كنا نعتمد سابقًا على برامج مترجمة من الخارج. كذلك، قدمت الدكتورة إيمان  الرفاعي مجموعة من البرامج المفيدة في مجال التخاطب وتنمية اللغة عند الأطفال
تركز هذه البرامج على تعليم الطفل مجموعة من المفاهيم الأساسية، مثل التمييز بين الليل والنهار، فهم المعاكسات، العلاقات بين الأشياء، إلى جانب الإدراك الزمني مثل ترتيب الأحداث أولًا، ثانيًا، والتمييز المكاني فوق الطاولة، تحت     الطاولة، بجانب الكرسي وتُعد هذه البرامج شاملة وطويلة المدى، وقد تستمر لأكثر من سنة أو سنتين حسب استجابة الطفل، لأن الطفل يكون بحاجة لاكتساب معلومات كثيرة لم يكن يعرفها من قبل، غالبًا بسبب نقص التفاعل داخل المنزل
  • ما الدور الذي يجب أن تلعبه المدرسة في حماية الطفل المتأخر لغويًا من التنمر ودعمه نفسيًا وأكاديميًا؟
وأحيانًا، يحتاج الطفل إلى تدريبات خاصة على فتح الفم والنطق السليم، بالإضافة إلى تمارين لتقوية أو تخفيف عضلات اللسان، وذلك بحسب نوع التأخر اللغوي أو النطقي الذي يعاني منه يقوم أخصائي التخاطب بتعليم هذه التدريبات للطفل خلال الجلسات، لكن الجزء الأهم هو أن تقوم الأم بتطبيق هذه التمارين  مع طفلها في المنزل بانتظام، وفقًا لتوجيهات الأخصائي
ولا بد أن تظل الأم على تواصل ومتابعة مستمرة مع الأخصائي حتى تتأكد من أن الطفل يستفيد من التدريبات ويُطبّقها بشكل صحيح، مما يُساعد في تسريع عملية التحسّن لتحقيق نتائج فعالة.
  • كيف يمكن تهيئة الطفل المتأخر في الكلام للاندماج في بيئة المدرسة دون أن يشعر بالنقص أو الخجل ؟
من المهم أن يفهم الطفل أننا نتعلم الكلام ونتحدث بشكل سليم، تمامًا كما يفعل أصدقاؤه وعندما نذهب إلى أخصائي التخاطب، فليس الهدف مجرد العلاج، بل لكي يتمكن من الالتحاق بالمدرسة، ويتجنب التعرض للتنمر، ويستطيع الاندماج مع       زملائه ولتحقيق ذلك، لا بد من الخضوع لجلسات التخاطب قبل بدء المرحلة الدراسية، حتى يتمكن الطفل من تصحيح نطقه للكلمات، ويتغلب على مشكلات مثل الحروف المقلوبة أو المشوهة لأخصائي هنا يقوم بتعديل النطق ومساعدة الطفل على الوصول إلى الطريقة السليمة في الكلام لذا فإن الدور الأسري في دعم الطفل وتشجيعه على الاستمرار في العلاج هو أمر أساسي، ويجب أن يتم توعية الطفل بأن الهدف من الذهاب إلى الأخصائي هو مساعدته في التعبير عن نفسه بثقة، والتفاعل بشكل طبيعي مع من حوله
  • في أي عمر يجب أن يبدأ الطفل بتكوين جمل مفهومة، ومتى يصبح التأخر في ذلك مقلقًا؟
عادةً ما يبدأ الأطفال في التحدث بكلمات مفردة مثل بابا وماما  في عمر من سنة إلى سنة ونصف. ومن عمر سنتين إلى ثلاث سنوات، يبدأ الطفل في تركيب جمل بسيطة مثل: “أنا أريد هذا الشيء أما في المرحلة ما بين الثالثة والرابعة، فيُفترض أن يتمكن الطفل من التحدث بجمل كاملة ومترابطة، وأن يصبح لديه قدرة على التعبير بشكل أفضل عن رغباته وأفكاره لكن عندما لا يتحدث الطفل مطلقًا، أو يتأخر في تكوين جمل بسيطة في هذه المراحل العمرية، لا بد أن ينتبه الوالدان لذلك جيدًا من المهم جدًا أن يلاحظ الأهل تصرفات طفلهم وطريقة تواصله، وهل يتفاعل مع من حوله  أم يفضل الصمت والانعزال   فإذا وصل الطفل إلى عمر سنة ونصف، ولم ينطق أي كلمات واضحة، أو لم يُظهر رغبة في التعبير، فلابد من عرضه على أخصائي تخاطب  وعدم الانتباه في هذا السن المبكر قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة لاحقًا، خاصة إذا كان يعاني من مشكلات في النطق أو اللغة
لذلك، على الأم والأب أن يكونا منتبهين جدًا لتطور لغة الطفل في هذه المرحلة الحساسة، لأن التدخل المبكر هو المفتاح الحقيقي لعلاج أي تأخر في النطق أو تطور اللغة.
  • هل هناك علاقة بين تأخر الكلام ومشكلات أخرى مثل صعوبات التعلم أو فرط الحركة؟
من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة بين فرط الحركة وتأخر الكلام عند الأطفال. فالاطفال الذين يعانون من فرط الحركة واضطراب نقص الانتباه هم أكثر عرضة للإصابة بصعوبات في تعلم اللغة، سواء من حيث الاستيعاب والفهم أو من حيث القدرة على التعبير عن النفس هؤلاء الأطفال قد يستغرقون وقتًا أطول من غيرهم لاكتساب المهارات اللغوية الأساسية، كما أنهم يجدون صعوبة في مشاركة أفكارهم ومشاعرهم داخل المنزل أو في البيئة المحيطة
 كذلك، يواجهون تحديات في اتباع التعليمات والاندماج في الأنشطة الجماعية، مما يؤثر بشكل مباشر على تفاعلهم الاجتماعي وتواصلهم مع الآخرين. ولهذا، فإن التعامل مع هذه الحالات يتطلب فهمًا دقيقًا وتدخلاً مبكرًا من الأسرة والمدرسة والأخصائيين   بالطبع، فإن صعوبة التعامل مع بعض الأطفال ترتبط في كثير من الأحيان بوجود أعراض واضحة لصعوبات التعلم. من أبرز هذه الأعراض: أن يكون مستوى الطفل الدراسي أقل من أقرانه، سواء من حيث الدرجات الأكاديمية أو المهارات التعليمية الأساسية قد يُلاحظ على الطفل أنه يعاني من تأخر في القدرة على التحدث أو القراءة أو الفهم، وهذا يُعد مؤشرًا على وجود صعوبة في التعلم، أو ما يُعرف بـ اضطراب اللغة. وهذه الحالة تعني أن الطفل يواجه صعوبة مستمرة في التحدث أو في فهم الكلمات والتعبير عنها.
الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة غالبًا ما تكون لديهم أفكار كثيرة داخلهم، لكنهم يواجهون صعوبة في صياغة تلك الأفكار بالكلام، أو في ترتيبها بشكل منطقي، مما يؤدي إلى مشكلات في  التواصل والتعبير.
ولذلك، فإن صعوبات التعلم ترتبط بشكل مباشر بالتأخر اللغوي والضعف في التحصيل الدراسي، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى تأخر عام في تطور الطفل، إذا لم يتم التدخل مبكرًا وتقديم الدعم المناسب له.
  • هل يؤثر استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط على تطور اللغة عند الأطفال؟ وما هي التوصيات في هذا الجانب؟
من المؤكد أن الاستخدام المفرط للأطفال للأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى مشكلات صحية كبيرة جدًا، ليس فقط على مستوى النمو الجسدي والتركيز والسمنة، بل الأهم من ذلك هو تأثيره السلبي على النمو اللغوي للطفل
السنوات الأولى من حياة الطفل، من عمر سنة إلي خمس سنوات، تُعد المرحلة الذهبية لتطور اللغة. في هذه المرحلة يكتسب الطفل مهارات النطق والتعبير، ويبدأ في تكوين علاقات اجتماعية وتفاعل مع من حوله لكن الاستخدام المفرط للشاشات خلال هذه المرحلة يسبب ضعفًا في المهارات اللغوية، ويُعد من أبرز أسباب تأخر الكلام عند الأطفال. الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات يظهر عليهم تأخر ملحوظ في النطق وضعف في التفاعل الاجتماعي وعلى النقيض، تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يقل استخدامهم للشاشات يسجلون درجات أعلى في المهارات اللغوية والتواصل الاجتماعي، ويكون تطورهم المعرفي والعقلي أفضل بكثير
لذلك، من الضروري أن تُراقب الأم مدة استخدام الطفل للأجهزة الإلكترونية، وتُدرك أن الإفراط في التعرض للشاشات يؤثر سلبًا على تطوره العقلي واللغوي، ويُفضل استبدال هذا الوقت بأنشطة تفاعلية وحوارات مباشرة تعزز قدراته الكلامية وتواصله مع البيئة المحيطة.
  • ما هي نصيحتك الذهبية لكل أم أو أب يلاحظان تأخرًا في كلام طفلهم؟
  النصيحة لكل أب وكل أم هي أن يتحدثوا مع طفلهم باستمرار، فلا يصح أن يتركوه بمفرده دون تفاعل يجب أن يكون هناك حوار دائم بين الأهل والطفل، من خلال رواية القصص، والغناء له، وتشجيعه على الكلام والتعبير
للأم والأب دور كبير جدًا في تنمية المهارات اللغوية عند الطفل، فلا يجوز ترك الطفل لساعات طويلة أمام التلفاز أو الهاتف أو التابلت فقط لتوفير الراحة للأهل  بل على العكس، يجب التفاعل معه بشكل مباشر، واللعب معه، والتشجيع الدائم عند نطق أي كلمة أو إصدار أي صوت
إذا قال الطفل كلمة جديدة، ينبغي تكرارها معه والتصفيق له، وإذا حاول التعبير، يجب الإصغاء له جيدًا. الاستماع الجيد والتواصل المستمر هما المفتاح لتقوية مهارات الطفل الكلامية والاجتماعية
وفي حال لاحظ الأهل أن هناك تأخرًا في الكلام، أو شعروا بأن هناك شيئًا غير طبيعي في تطور طفلهم، فمن الضروري مراجعة أخصائي التخاطب لتقييم الحالة، ووضع خطة علاجية مناسبة تساعد الطفل على التطور والنمو السليم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى