فرط الحركة عند الأطفال.. إبداع يحتاج التوجيه ” حوار خاص مع د. رائد رمضان”

كتبت: داليا خالد
عندما كان مايكل فيلبس طفلاً لم يكن يستطيع الجلوس ساكناً وهذا ما دفع معلميه للاعتقاد بأنه يعاني من مشكلة سلوكية. لكن والدته رأت الأمر بشكل مختلف أن حركته ليست مشكلة بل فرصة واليوم أصبح هو أعظم سباح في التاريخ.
حول هذا الموضوع أجرينا حواراً مع دكتور رائد رمضان، الطبيب النفسي بعيادات المصطفى التخصصية، وطرحنا عليه عدة تساؤلات:
ما الذي يجعل بعض الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قادرين على تحقيق إنجازات استثنائية؟
وكيف يمكن استغلال هذه الطاقة الكبيرة وتحويلها إلى نقطة قوة؟
وسنرد ذلك في السطور التالية:
بدايةً ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟
اضطراب فرط الحركة ناتج عن خلل في الفص الجبهي الأمامي للمخ وهو المسؤول عن التحكم في السلوك والانتباه يشبه “الفرامل” التي تمنع الشخص من التصرف بلا توقف. عندما لا يؤدي هذا الفص وظيفته بشكل سليم يصبح الطفل في حالة دائمة من الحركة والتشتت. ولكن هذا لا يعني أن الطفل يعاني من إعاقة ذهنية، بل العكس بعض الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يتمتعون بذكاء عالي وقدرات فريدة إذا تم توجيههم بشكل صحيح.
ما هي المهارات التي قد يتميز بها الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة؟
لديهم قدرة عالية على القيام بعدة مهام في نفس الوقت دون الشعور بالإرهاق على سبيل المثال، لدي أخ صديق مصاب بالاضطراب أنهى دراسته وفتح مكتبين لإدارة الأعمال ويعمل بكفاءة في كليهما بفضل قدرته البدنية والذهنية العالية. فعندما يتم توجيه حركتهم الزائدة بطريقة صحيحة تتحول إلى حركة إنتاجية.
هل هناك مجالات معينة يبرعون فيها أكثر من غيرها؟
نعم، خاصة الأنشطة التي تعتمد على (الحركة والطاقة البدنية) مثل الرياضة. على سبيل المثال السباح العالمي مايكل فيلبس الذي استغلت والدته فرط حركته في توجيهه نحو السباحة ليصبح أسطورة في مجاله. أما المجالات التي تتطلب تركيزاً مثل المذيعين أو المحاسبين فقد لا تكون مناسبة لهم، لكنهم قد يبرعون كمراسلين أو في الأعمال الإبداعية التي تحتاج إلى حركة مستمرة.
كيف يمكن للأهل استغلال هذه القدرات الإيجابية لدعم الطفل في حياته اليومية؟
السر في (التوجيه السليم). إذا كان الطفل في عمر 4 أو 5 سنوات بدلاً من محاولة تهدئته باستمرار يمكن للأهل تسجيله في رياضات مثل (الجري، السباحة، أو الكونغ فو). عندما يبدأ الطفل في التميز والشعور بالنجاح، يزداد تقديره لذاته، ويشعر أن حركته ليست “محنة” بل “منحة”.
هل هناك طرق تدريس معينة تناسب هؤلاء الأطفال أكثر من غيرها؟
نعم، التعليم البصري والعملي هو الأنسب لهم. على سبيل المثال، بدلاً من تدريس الطفل العمليات الحسابية بطريقة تقليدية كأن نقول ١+١=٢ يمكن استخدام (الصور والأشياء الحقيقية) كأن نريه قلم ثم نضيف إليه قلماً آخر ليصل بنفسه إلى النتيجة. التعليم النظري قد لا يجذب انتباههم لكن عندما يكون التعلم ممتعًا وعملياً يصبح أكثر تركيزاً.
هل هناك شخصيات مشهورة مصابة باضطراب فرط الحركة وحققت نجاحًا كبيرًا؟
هناك العديد من الأمثلة لكن المثال الأبرز هو مايكل فيلبس. كما يقال إن ألبرت أينشتاين كان يعاني من أعراض مشابهة لكن لا يوجد دليل علمي قاطع. الفكرة الأساسية هنا أن فرط الحركة ليس عائقاً أمام النجاح بل قد يكون الدافع لتحقيق إنجازات عظيمة.
-كيف يمكن تحويل هذا الاضطراب من تحدٍ إلى نقطة قوة؟
عبر وضع الطفل في المجال الذي يناسبه. فعندما نضع طفلاً مصاباً بهذا الاضطراب في بيئة تحتاج إلى حركة وإبداع فإنه سيستغل طاقته بالشكل الصحيح بدلاً من أن تتحول إلى مشكلة سلوكية.
هل هناك علاقة بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والذكاء المرتفع؟
لا يوجد علاقة مباشرة فالطفل المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الإنتباه قد يكون ذكاؤه عادياً أو عالياً مثل بقية الأطفال لكن طريقة استغلال قدراته هي التي تصنع الفارق.
لماذا يظهر بعض الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة أداءً استثنائيًا في بعض المجالات رغم التحديات التي يواجهونها؟
لأنهم عندما يوضعون في المجال الصحيح يبدعون بشكل مذهل هم ليسوا مثل أطفال التوحد الذين قد يمتلكون قدرات في مجالات معينة مثل الحساب لكنهم يستفيدون من (حسن التوجيه) وهذا ما يجب أن يفهمه الأهل والمعلمون.
ختاماً اضطراب فرط الحركة ليس عائقاً بل ميزة مخفية إذا تمت الاستفادة منها بالشكل الصحيح. عندما يتفهم الأهل طبيعة هذا الاضطراب ويوجهون أطفالهم إلى الأنشطة المناسبة لهم، يمكنهم تحويل “الطاقة المفرطة” إلى “إبداع وتميز”. إذاً فالمشكلة ليست في الطفل بل في كيفية التعامل معه.