هم النم

فاتح الشهية للأطفال دواء.. في ظاهره رحمة وفي باطنه ضرر

كتبت: انعام ناصر، مروة ناصر
في الوقت الذي يزداد فيه لجوء أولياء الأمور لاستخدام فواتح الشهية لأطفالهم خاصة بعد فترات تغير نمط الأكل مثل رمضان والعيد يتصاعد القلق الطبي من خطورة هذه الممارسات.
رغم الانتشار الواسع للأدوية والوصفات التي يروج لها على أنها آمنة وطبيعية إلا أن الأطباء والمتخصصين في تغذية الأطفال يحذرون من تأثيراتها السلبية على الجهاز العصبي والهضمي ويؤكدون أن فقدان الشهية غالبًا ما يكون عرضا لمشكلة أعمق تحتاج لتشخيص دقيق لم يكن حلاً سريعًا.
في هذا التحقيق نرصد آراء الخبراء وشهادات أمهات خضن التجربة ونكشف كيف تتحول نوايا الإصلاح أحيانا إلى ضرر أكبر، ونقدم بدائل طبيعية وآمنة لدعم تغذية الطفل دون تعريض صحته للخطر.
الدواء السهل والمشكلة الأعقد
تقول الدكتورة إيمان قنديل، استشاري طب الأطفال، “تأتيني باستمرار أمهات يطلبن أدوية فاتحة للشهية بناء على توصية من صيدلي أو وصفة منتشرة على الإنترنت دون تشخيص طبي والحقيقة أن هذه الأدوية في معظمها تؤثر على مراكز الجوع والشبع في المخ وهي مناطق قريبة من مراكز حساسة بالجهاز العصبي”.
وتوضح أن هذه الأدوية لا يجب استخدامها إلا في حالات نادرة جدا عندما يكون هناك فقدان واضح في الوزن والطول وضعف عام في نشاط الطفل. جملة زي ‘ابني مش عاجبني أكله’ غير كافية لاتخاذ قرار دوائي. “لازم يتراجع نموه ويظهر فرق واضح في نشاطه قبل ما نقلق أصلاً”.
وتحذر من الاستخدام المتكرر لهذه الأدوية دون الإشراف لما قد تسببه من أعراض جانبية مثل اضطرابات النوم وفرط النشاط والإدمان على المادة الفعالة.
من الجوع إلى الجينات.. أين السبب؟
 
الدكتورة عبير عزت استشاري التغذية العلاجية، تربط بين فقدان الشهية وبين تغير نمط الأكل الموسمي خصوصا بعد رمضان والعيد، حيث تقول، “الفترة دي دائما بيحصل فيها اضطراب في شهية الأطفال بسبب تغيير مواعيد الأكل أو الصيام الجزئي وده بيخلي الأهالي يلجأوا لفاتح الشهية كحل سريع سواء من الصيدلية أو وصفة شافوها على الإنترنت”.
وتضيف أن الشهية ليست مجرد شيء يفتح بدواء، بل يجب فهم سبب انغلاقها.
من الأسباب التي يتجاهلها كثير من الأهل وجود معدل حرق مرتفع طبيعيا لدى بعض الأطفال نتيجة ارتفاع نسبة الدهن البني (Brown Fat) في أجسامهم وهو نوع من الدهون النشطة الموجودة بين الضلوع يعمل على حرق الطاقة خاصة في مرحلة الطفولة.
تشير د. عبير إلى خطأ شائع آخر يتمثل في تشخيص جرثومة المعدة دون تحاليل كافية لمجرد أن الطفل لا يأكل. كثير من الأطباء يكتبون أدوية جرثومة لمجرد الشك وده ممكن يقتل البكتيريا النافعة في الأمعاء ويزيد فقدان الشهية بدل ما يحل المشكلة.
كما تؤكد أن بعض أنواع فواتح الشهية هي في الأصل أدوية مضادة للاكتئاب تؤثر على كيمياء المخ من خلال هرمونات مثل السيروتونين والدوبامين ما قد يسبب مشكلات في النمو العقلي والسلوكي، مضيفه انه “تم سحب بعض أنواع الأدوية من السوق بعد ثبوت أنها تسبب تخلفًا عقليًا عند الأطفال، وبعضها يسبب إدمانًا يجعل الطفل غير قادر على الأكل بدونها”
“كنت فاكرة بعمل الصح” … شهادات من قلب التجربة
“روت مها، أم لطفل عمره 5 سنوات، تجربتها قائلة: ‘بعد رمضان، توقف ابني عن طلب الطعام، فأعطاني الصيدلي فاتح شهية للأطفال، والذي أظهر تحسنًا في البداية، ولكن بعد أسبوعين، بدأ ابني ينام كثيرًا ويشعر بالتعب. وبعد الفحص الطبي، اكتشفنا تأخرًا في الكلام. وأكد طبيب المخ والأعصاب أن هناك تأثيرًا على الجهاز العصبي، وأن السبب كان فاتح الشهية'”
“روت رانيا، أم لطفلة تبلغ من العمر 4 سنوات، تجربتها قائلة: ‘وجدت وصفة على مجموعة فيسبوك تحتوي على الحلبة والعسل الأسود، وكان الجميع يشيد بها، فجربتها لبنتي. بعد أسبوعين، بدأت ابنتى تشكو من آلام في البطن وتورم. أظهرت التحاليل إصابتها بالديدان والتهابات. قال الطبيب إن الوصفة زادت من نسبة السكر والنشويات بشكل ضار'”
“نرمين أم لطفل 6 سنوات تقول: ‘وجدت إعلانًا على إنستجرام لمشروب مكتوب عليه طبيعي وآمن للأطفال، فجربته وبالفعل بدأ ابني يأكل أكثر، لكنه أصبح عصبيًا ويبكي فجأة. قال الطبيب إن المنتج غير مسجل وقد يحتوي على مواد تؤثر على المخ، وعملنا تحاليل ووجدنا خللًا في إنزيمات الكبد'”
سارة أم لطفل 4 سنوات تقول”أختي قالتلي على نوع دوا كانت بتديه لولادها زمان روحت اشتريته. ابني بدأ يطلب أكل كثير لكن بقي متعلق بالسكريات وزاد وزنه بسرعة بعدها جاله إمساك ومغص والدكتور قال إن الدوا بيأثر على مراكز الشبع في المخ وبيخلي الطفل يطلب أكل بشكل غير طبيعي وده بيؤثر على التوازن الغذائي عنده. وقفنا الدوا وبدأنا نرجع تاني بالتدريج لتغذية طبيعية. يومها بس فهمت إن نصايح القرايب مش دائما آمنة، حتى لو بحسن نية”
ورغم انتشار فاتح الشهية في البيوت المصرية باعتبارها طوق نجاة للأمهات إلا إن آراء الأطباء والمختصين تكشف واقع مختلف المشكلة ليست في شهية الطفل، بل في نمط التغذية والعادات الخاطئة. فبدلًا من اللجوء للدواء يبدأ الحل الحقيقي من وعي الأسرة وفهم الطفل وتقديم الغذاء كمتعة لا كعقاب، ولذلك حتى لا نصل لنفس النهايات المؤلمة التي مرت بها تلك الأمهات. فيجب أن ندرك أن صحة أطفالنا لا تحتمل التجربة العشوائية ولا وصفات السوشيال ميديا. ولكن كل دواء أو مكمل أو حتى وصفة طبيعية يجب أن تأتي من الطبيب لا من الصيدلية أو جروب الأمهات. فسلامة الطفل تبدأ بقرار مسؤول.
بدائل طبيعية آمنة.. تغذية بلا أذى
 
ينصح الأطباء بعدم التسرع في اللجوء للأدوية والاعتماد بدلًا من ذلك على وسائل تغذية طبيعية وآمنة لتعزيز شهية الطفل. من أبرز هذه الوسائل تقديم وجبات صغيرة ومتكررة بدلًا من الاعتماد على وجبة كبيرة واحدة مع الاهتمام بشكل الطعام ليكون جذاب للطفل مما يشجعه على تناوله كما يفضل ان يشترك الطفل في تحضير الطعام مما يرفع حماسه لتذوق ما شارك فيه، من المهم أيضا تجنب الضغط أو إجبار الطفل على الأكل، لأن ذلك يولد لديه نفور من الطعام بدلاً من تشجيعه. ويمكن الاعتماد على بعض المكونات الطبيعية التي تعرف بتأثيرها الإيجابي على الشهية مثل التمر والموز والزبادي بالعسل والطحينة بالعسل وكذلك شوربة العدس أو الدجاج التي تساعد على فتح الشهية وتحسين الهضم.
فاتح الشهية مش الحل
 
في ظل الانتشار الكبير لفواتح الشهية والتسويق المضلل لها تبقى المسؤولية على الأسرة في تحري أسباب فقدان الشهية قبل التدخل العلاجي واللجوء للطبيب بدلًا من وصفة أو إعلان على الإنترنت.
الطفل لا يحتاج لمحفزات صناعية ليأكل، بل بيئة صحية نفسية مستقرة وتغذية متوازنة. فكما قالت إحدى الأمهات: “كنت فاكرة إني بساعده وطلعت أنا السبب في تعبه”.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى