كتبت: داليا خالد
في صباح 6 يونيو 2024 ، استيقظت رجاء حمدونة وهي أم لأربعة أطفال على صوت
القصف في “مواصي رفح” بعد رحلة نزوح طويلة امتدت على مدى 15 عاماً و 17 بيتاً بحثاً
عن مكان آمن. لكنهة لم تكن تعلم أن ذلك الصباح سيكون الفصل الأكثر وجعاً في حياتها.
تقول رجاء أن ابنها أحمد كان يشتهي المفتول ومحمد رفض الأكل حتى لا يذهب إلى الحمام
لأنه بعيد. لحظات بسيطة من الحياة العادية ثم بدأ القصف. وتسرد أنهم جعلوا الخيمة معتمة
حتى ضوء الهاتف أخفوه. وكانت ترتجف من الخوف وتقول لأطفالها أنهم سيغادرون مع أول
خيوط الفجر
ثم تصمت قليلاً وتتابع أنها قد شاهدت الدبابة تقترب وسمعت صراخ جارة تنادي على ابنها ثم
أصوات رصاص واختفى صوت جارتها. تتابع رجاء أن زوجها أكرم كان ينزف ويتشهد،
وأنها كانت مصابة، وابنتها الصغيرة سناء بين ذراعيها تنزف. وحينها مرت الدبابة من فوقهم،
غطست رجاء بالرمل وهي حاضنة ابنتها معتقدة أن الموت قد أتاها.
لكن عندها وجدت ابنتها تنازع وتلتقط أنفاسها حاولت الزحف برجل مصابة، حملت هويتها في
صدرها وطفلتها على ظهرها، وزحفت نحو الحياة منقذة طفلتها وفاتحة لها باب الأمل لحياة
جديدة.
رجاء لم تفقد فقط بيتها وزوجها وأولادها، بل فقدت معهم أجزاءً من جسدها وروحها وإلى
الآن لم تجد جثث زوجها وأولادها، ومع ذلك قررت أن تكون شاهدة لا صامتة وتضيف أن الله
أراد لها الحياة، وهي الآن تعمل في تدريس الأطفال وستمنح النساء دروساً كيف ينهضن بعد
الكارثة وتطالب بحقوقها وحقوق ابنتها لتقوم بتربيتها في ظروف أفضل.
بين الظلام تولد “مرح”
دينا، أم أخرى تقول إنها فقدت 37 من أقربائها في قصف واحد بينهم أبناؤها الأربعة ورغم
ظروف القصف والوجع حملت ورزقها الله بطفلة جديدة أسمتها “مرح” على اسم شقيقتها
الشهيدة. تكمل دينا أن ظروف حملها كانت صعبة ومع النزوح لكنها حاولت التمسك والبقاء
لأجل جنينها وفرحت بها لكنها جاءت وسط برد المخيم والمنخفضات الجوية وخيمة متهالكة.
وتمنت أن تأتي في زمن أفضل لكنه عوض الله والحمد لله.
وصايا الأطفال قبل المو ت
أما تسنيم، فهي أم تجلس بمجمع ناصر الطبي بساق مبتورة وأخرى مصابة بالبلاتين لا تقوى
على الحركة وتحمل بين نظراتها صور أطفالها الذين احترقوا وجُرحوا في قصف خيمتهم.
وتحكي وهي تبكي بحرقة أن ابنتها كتبت وصية وابنها عصام استشهد وكان ينادي عليها أن
تأتي بجانبه لكنها لم تكن تقدر على الحركة. ورغم محاولاتها إلا أنها ترى أنها لم تقدر على
حماية صغارها.
الأم أول الحصون النفسي ة
وفقاً لليونيسيف، فإن 17 ألف طفل في غزة أصبحوا من دون ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم
خلال الصراع، ويعُتقد أن جميع الأطفال تقريبا في القطاع بحاجة إلى دعم في مجال الصحة
النفسية.
ويقول جوناثان كريكس، مدير الاتصالات بمكتب يونيسيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة
أن الأطفال تظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية للغاية من القلق المستمر، وفقدان الشهية،
ولا يستطيعون النوم أو يمرون بنوبات ويفزعون في كل مرة يسمعون فيها صوت القصف.
وتابع أنه قبل هذه الحرب كانت يونيسيف تعتبر بالفعل أن 500 ألف طفل بحاجة إلى خدمات
الصحة النفسية ودعم نفسي في غزة. واليوم، تشير تقديراتهم إلى أن جميع الأطفال بحاجة إلى
هذا الدعم أي أكثر من مليون طفل
ولذلك وفي غياب الدعم النفسي المتخصص تبقى الأم الحصن النفسي الأول والأخير كما
توضح الطبيبة النفسية د. آية كمال أن الأطفال في غزة يعانون من صدمات متراكمة: الأرق،
نوبات الهلع، الكوابيس. والأسوأ أن البيئة لا تسمح بتقديم العلاج مما يهدد بتحول هذه
الأعراض إلى اضطرابات مزمنة. لذلك فإن دعم الأمهات نفسياً وتدريبهن على التعامل مع
اطفالهن ضرورة قصوى فسلامة الأم النفسية هي مفتاح شفاء طفلها.
وتتابع د. آية أن الأمهات الفلسطينيات يقمن بدور المُعالج الفطري فهن يحتوين الأطفال
، ويحولن الألم إلى معنى بالصبر والإيمان رغم كل ما يواجهنه من صدمات وخسارات.
وتضيف براء الشويكي، أم فلسطيني ة أن حماية الأم لأطفالها أثناء الحرب تتطلب شجاعة
وصبراً يفوقان الوص ف وتصف مدى حزنها أن طفليها اللذين لم يتجاوزا الخمس أعوام
أصبحوا يعرفون أصوات الصواريخ وأنها أثناء اقتراب القصف كانت تخبئ أطفالها تحت
الأغطية وتغني لهم حتى يناموا رغم الرعب. وتخبرهم أنهم سيظلوا معاً مهما حدث، وأن الله