سياسة الانفصال الصحية.. مفتاح الأمان النفسي للأطفال والأمهات داخل الحضانات

كتبت انعام ناصر، مروة ناصر
مع انخراط الأمهات في سوق العمل وارتفاع عدد ساعات العمل اليومية، أصبحت الحاجة إلى الحضانات ضرورة لا مفر منها، لكن لحظة الانفصال الأولى بين الأم وطفلها، خاصة في سن صغير، تُعد من أكثر اللحظات حساسية، نفسيًا وعاطفيًا، للطرفين هنا يبرز دور ما يُعرف “بسياسة الانفصال الصحية” والتي تسعى إلى تقليل حدة هذا التأثير السلبي على الطفل والأم على حد سواء.
الانفصال كمرحلة انتقالية تحتاج إلى احتواء
توضح الدكتورة مروة أبو الوفا، استشاري التخاطب وتعديل السلوك وتنمية المهارات، أن “سياسة الانفصال الصحية داخل الحضانة تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية للأطفال وتضيف ان من الطبيعي شعور الطفل بالخوف والقلق في الأيام الأولى من انفصاله عن أمه، لذا من المهم أن تتبنى الحضانة منهجًا داعمًا يهيئ الطفل لهذه المرحلة ويمنحه الأمان والاحتواء”
وتشير الدكتورة سما إلى أن الطفل عندما يشعر بالطمأنينة في الحضانة، يبدأ في التكيف والتفاعل والتعلم تدريجيًا، وهو ما يحقق هدف الأمهات اللاتي يضطررن إلى إدخال أبنائهن الحضانات في سن صغير وتتابع الدكتورة “هذه السياسة لا تفيد الطفل فقط بل تنعكس أيضًا على الأمهات فتقلل من شعورهن بالذنب والقلق طوال ساعات العمل، عندما يعلمن أن أطفالهن في بيئة آمنة ومحبة”
الدعم النفسي أولوية قصوى
بداخل إحدى الحضانات التابعة لمركز الجيزة، أكدت سما محمد، مشرفة على رعاية الأطفال، أنهم يضعون “دعم الأطفال نفسيًا وعاطفيًا” كأولوية قصوى. تقول سما “ندرك جيدًا صعوبة لحظة الانفصال لذا نحرص على تقديم بيئة مستقرة ومألوفة، وتوفير احتضان عاطفي حقيقي للأطفال، لنساعدهم على الشعور بالأمان”وتضيف “نُدرّب الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، ونعمل على تعزيز الاستقلالية والثقة بالنفس لديهم، من خلال أنشطة ممتعة وتفاعلية”. كما تؤكد أهمية التواصل المستمر مع الأمهات “نُطلعهن بتقارير دورية عن تطور أطفالهن، لنمنحهن راحة البال وتأكيدًا على أن أطفالهن يُعاملون برعاية فردية تناسب احتياجات كل طفل”.
من قلب التجربة الأمهات
تقول هاجر عبد المبدي، وهي أم لطفل يبلغ من العمر عامين وتعمل لأكثر من 8 ساعات يوميًا، عن تجربتها “كنت خائفة من تأثير الانفصال على ابني، خاصة أن عمره صغير جدًا، لكن بعد توصية زميلاتي، اخترت حضانة تهتم بتقديم رعاية نفسية عالية”.
تتابع هاجر “ما طمأنني فعلًا هو استقبال المعلمات الحار لابني، وتقديم أنشطة تعليمية وترفيهية تساعده على النمو. الأهم من كل ذلك هو الدعم العاطفي الذي يلقاه، فلم أشعر يومًا بالذنب لأن ابني أصبح يتقبل الذهاب للحضانة بهدوء، دون بكاء أو انهيار ”وترى هاجر أن هذه الرعاية المتكاملة لا تدعم فقط الطفل بل تخفف العبء النفسي عن الأم “أشعر أن ابني بخير وسعيد، وهذا يمنحني راحة نفسية أحتاجها كأم عاملة”
وفي الوقت الذي يزداد فيه اعتماد الأسر على الحضانات، تبرز أهمية تبني سياسات واضحة ومدروسة للانفصال الصحي داخل الحضانات من خلال بيئة آمنة، دعم عاطفي، وتواصل فعال بين الحضانة والأسرة، يمكن تخفيف أثر الانفصال، وتحقيق توازن صحي للأطفال والأمهات
فالانفصال ليس نهاية العلاقة بين الطفل وأمه، بل هو بداية لتجربة جديدة، تنمو فيها شخصية الطفل باستقلال واحتواء، وتتطور فيها الأم بوعي واطمئنان