احتواء

رسومات الأطفال ليست عبثًا: الألوان تعبر عن الألم والحب والخوف

كتبت: انعام ناصر، مروة ناصر 

 

“ماما شوفيني، رسمت بيت!”… ربما تمر هذه الجملة على كثير من الأمهات دون تفكير، لكن الحقيقة أن وراء هذا الرسم الصغير قد يكمن عالم من المشاعر، والرسائل الخفية التي لا يُجيد الطفل التعبير عنها بالكلمات.

 

رسائل صامتة على الورق

بحسب ماذكرت الأستاذة جهاد عمرو، معلمة الرسم بأحدى المدارس الخاصه بالجيزة ، فإن رسومات الأطفال ليست مجرد هواية أو عبث بالألوان بل تُعد مرآة لما يشعر به الطفل في داخله. تقول جهاد “كل رسمة بيرسمها الطفل هي انعكاس لشخصيته، مشاكله، وحتى احتياجاته العاطفية، وهي وسيلة بيعبر بيها عن نفسه بدون ما يتكلم”

فمثلًا، إذا رسم الطفل بيتًا، فقد يعبر ذلك عن رغبته في الأمان وشعوره بالانتماء الأسري، بينما رسمه لطفل صغير قد يكون طريقة لا واعية لرسم نفسه، بكل ما يشعر به من قوة أو ضعف. أما رسم العائلة، فيُعد من أبرز المؤشرات التي تُستخدم في علم النفس لتحليل علاقات الطفل بأفراد الأسرة، ومعرفة من يشعر تجاههم بالقرب أو النفور

أ.جهاد تضيف أن الألوان تلعب دورًا كبيرًا في قراءة الرسومات. “لما الطفل يفضل يستخدم اللون الأسود، ده مؤشر لحالة حزن أو اكتئاب، لأنه لون رمزي بيعبر عن حالة مزاجية سيئة، وده بيخلينا ننتبه إن فيه حاجة مأثرة على نفسية الطفل”، بحسب تعبيرها.

 

تجربة أم الرسم بوابة لفهم ابني

صفاء صدقي، أم لطفل في الصف الأول الابتدائي، تروي كيف ساعدتها رسومات ابنها على اكتشاف مشاعره. تقول: “بدأت ألاحظ إنه بيرسم وجوه حزينة أو حاجات غريبة، خصوصًا بعد أيام صعبة مرت عليه في المدرسة. لما كلمته عن اللي بيرسمه، لقيته بيحكي عن اللي مضايقه، وبدأت أفهمه أكتر”.

انا أؤمن اليوم بأن الرسم وسيلة علاجية قبل ما يكون وسيلة ترفيه، وتضيف: “ابني بيرتاح لما يرسم، وبقيت أستخدم رسوماته كباب للتواصل معاه وفهم اللي مش بيعرف يقوله”

 

علامات خطر على الورق

من جانبه، يوضح الدكتور بهاء الشيخ، استشاري الصحة النفسية للأطفال، أن بعض الرسومات قد تكون بمثابة جرس إنذار مبكر. “لو الطفل بيرسم نفس الشكل بشكل متكرر، أو بيستخدم حركات معينة بإيده بشكل نمطي، ده ممكن يدل على تأخر عضلي أو عقلي”، بحسب قوله

ويحذر د. بهاء من رسومات العنف أو التشويه، مثل رسم أشخاص بملامح غريبة، أو بأعضاء ضخمة وغير متناسقة. “دي مؤشرات إن الطفل ممكن يكون بيتعرض لعنف نفسي أو جسدي من شخص ما، سواء في البيت أو المدرسة. لازم الأم تاخد موقف، وتسأله عن هوية الشخصية المرسومة، وتبدأ تتدخل”.

 

الطفل يرسم شعوره… لا الحقيقة

ويؤكد الدكتور على أن الطفل لا يرسم الواقع كما هو، بل يرسم مشاعره تجاه هذا الواقع. “الطفل ممكن يرسم مامتُه حلوة علشان بيحبها حتى لو فيه بينكم او يرسم باباع بشكل مخيف لأن بيخاف منه المهم هنا هو الاحساس  ، مش الحقيقة”.

ويقول ان رغم بساطة أدواته، إلا أن الرسم يظل من أقوى الوسائل التي يمكن من خلالها أن نتواصل مع الأطفال ونفهم عالمهم الداخلي. إذا أُحسن استقباله، يمكن أن يكون مفتاحًا للكشف عن الأزمات النفسية مبكرًا، أو جسرًا للتقرب من الطفل قبل أن يبتعد أكثر في صمته.

فلننظر إلى رسومات أطفالنا ليس كفن، بل كلغه ، لغة تحتاج منّا إلى بعض التركيز، والكثير من الحب والاحتواء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى