كتبت: مروة ناصر
“أنا حاسة إني في اختبار كل يوم” … جملة قالتها أم في العشرينات وهي تحاول أن
تختار لطفلها الرضيع نوع الأكل المناسب. “كل ما أعمل حاجة ألاقي ماما بتقولي:
زمان مكناش بنعمل كده! ولما أرجع أقرأ أو أسمع الدكتور ألاقي الكلام مختلف. طب
أريحهم؟ ولا اعمل ايه؟”.
كان القلق الذي يأتي للامهات الجدد ليس مجرد شعور لكن صراع حقيقي بين
الماضي والحاضر بين الخبرة، والتجربة، والمعرفة العلمية، والأبحاث. صراع يبدو
بسيط لكنه يترك أثر عميق على نفسية الأم ونمو الطفل.
في عيادات الأطفال لا يعتبر الحديث على المغص أو التسنين فقط، لكن يتكرر مشهد
الام كثيرا وهي حائرة في منتصف طريقين. يقول دكتور مروان أشرف اخصائي
أطفال وحديثي ولادة: “كثير من الأمهات بييجوا العيادة وهما مش بس بيسألوا عن
الطفل، لكن كمان جايين يدوروا على طمأنينة لأنهم تايهين بين نصيحة جدتهم اللي
بتعتمد على خبرة سنين وكلام الطبيب أو اللي بيقروه على الإنترنت. دوري بيكون
إني أشرح الفرق بين الخبرة والمعرفة وإن مش كل قديم غلط لكن مش كل جديد لازم
نشك فيه”.
الخبرة كما يوضح دكتور مروان احيانا تنجح في مواقف استثنائية لكنها من الممكن
ان تخفي خطر مث ا لا “لما زمان كانوا بيحطوا عسل للأطفال الرضع علشان المغص.
ممكن تكون فأدت طفل، لكن العلم بيقول إن هذا خطر كبير وممكن يسبب تسمم قاتل
اسمه البوتيوليزم. فالمعلومة العلمية مش رأي شخصي دي نتيجة أبحاث وتجارب
وهدفها حماية الطفل”.
لكن تأثير هذا الصراع لا يتوقف عند الجانب الجسدي للطفل. فيقول دكتور صلاح
الجندي اخصائي نفسي أطفال أن الأم الجديدة تدفع ثمن ترددها النفسي. “الأم بقت
شاردة بتشك في كل قرار وبتتعب نفسيا من تكرار الجملة: ماما قالت كده، ولا
الدكتور قال كده”؟
فيضيف دكتور صلاح أن “بعض الأمهات بيوصلوا لحالة انهيار لأنهم بيحسوا إنهم
بيغلطوا في كل حاجة وإنهم مش كفاية وهذا يؤثر على علاقتها بطفلها اللي بيحس
بتوترها وبيتأثر بيه”.
في جهه اخري تشعر الجدات أن ما يقدمنه من خبرات يواجه بالرفض أو عدم الرغبه
تقول إحدى الجدات: “احنا ربينا من غير دكاترة ولا كتب وعيالنا طلعوا زي الفل.
ليه دلوقتي كل حاجة بقيت بالدليل؟ بنتي لما قالتلي مش هتدي الطفل مية حسيت إن
اللي عملتوا معاها وهي طفلة كان ضرر ليها”.
التمسك بالطرق القديمة ليس مجرد عناد، لكنه يعتبر دفاع عن دور الأمومة الذي
يفهمه الأمهات الكبار كما تشرح الجدة: “يمكن بنشك في الجديد علشان مش فاهمينه،
أو علشان شايفين إن ولادنا بينسوا اللي علمناهم. فبنتمسك بخبرتنا القديمه علشان
نحافظ على خبرتنا وتعليمنا”.
ويقابل تمسك الأجداد بالعادات القديمه توتر عند الجيل الجديد فتقول الأم: “أنا مش
ضد ماما بس حاسة دائما إني لازم أبرر كل قرار باخده. وكأن العلم بقي جريمة أو
إني بتخلى عن مبادئهم”.
يبدو أن الأمومة الحديثة لا تحتاج فقط إلى رعاية طفل، بل إلى شجاعة نفسية في
مواجهة التوقعات وقدرة على التمييز بين النصيحة والمعلومة. فالصراع قد لا ينتهي،
لكن الوعي به هو أول خطوة في طريق الطمأنينة .