احتواء

تشخيص التوحد: منظور مختلف للفهم والتعبير وليس خللً لدى الطفل

كتب: محمد النجار

“ابني ليس غريبًا، إنه فقط مختلف.” في غرفة مزينة برسومات هادئة على الجدران، يجلس زياد، صاحب الأعوام الأربعة، منهمكًا في ترتيب سياراته الصغيرة بدقة مدهشة. لا ينظر إلى أحد، ولا يتحدث، لكنه يعرف تمامًا ترتيب الألوان من الأحمر إلى الأزرق، وكأن عالمه الخاص أكثر وضوحًا ونظامًا من العالم الذي يدور من حوله.

تقول والدته، وهي تراقبه عن قرب بنبرة يملؤها الحزن: “كان الناس يقولون إنني أدلله، لكنني كنت أشعر أنه لا يعيش معنا في نفس العالم.” لم يكن تشخيص زياد بالتوحد مجرد لحظة صدمة، بل بداية طريق طويل، مليء بالتحديات اليومية ومحطات الأمل الصغيرة، التي تُبنى بالصبر واحتواء أسرة لم تفقد إيمانها به.

في مركز متخصص، وداخل قاعة جلسات علاج مجهزة بألعاب حسية وأجهزة تعليمية متطورة، التقينا الدكتور محمد عبد الرحمن، استشاري اضطراب التوحد بجامعة جنوب الوادي، الذي تحدث عن طبيعة التوحد وأهمية تغيير نظرة المجتمع تجاه هذا الاضطراب.

يقول الدكتور، وهو يراقب طفلًا أثناء جلسة تخاطب، “التوحد ليس خللًا… بل هو طريقة مختلفة للفهم والتعبير. التحدي الحقيقي لا يكمن في الطفل، بل في المجتمع الذي لم يستطع بعد تقبّل الاختلاف.”

داخل المركز، ورغم الصمت الذي يلفّ المكان، تتحرك المعالِجات بخطوات هادئة بين الأطفال، حيث يتابعن التقدّم البسيط في كل حركة أو إشارة. وفي زاوية أخرى، تبتسم طفلة فجأة بعد أن نجحت في الإشارة إلى صورة قطة أثناء التمرين؛ ابتسامة بسيطة، لكنها تحمل في طياتها معنى النصر وسط صراع طويل.

يؤكد الدكتور عبد الرحمن أن لحظات كهذه تشكل الدافع الأكبر لاستمرارها، “كل إنجاز بسيط بالنسبة لهؤلاء الأطفال هو نصر كبير بالنسبة لنا. والتدخل المبكر هو سلاحنا الأول.”

في مجتمع لا يزال الوعي فيه باضطراب التوحد محدودًا، وغالبًا ما تختلط المفاهيم بالأحكام المسبقة والوصمة، تواجه الأسر صراعًا إضافيًا إلى جانب رحلة العلاج، وهو صراع الفهم والتقبّل، سواء من الأقارب أو المدارس أو المحيطين بالطفل.

ورغم صعوبة التكاليف ونقص الدعم، لم تفقد والدة زياد الأمل، وظلّت نظرتها لابنها مختلفة عن مقاييس المجتمع التقليدية. تقول في ختام حديثها، بنبرة يملؤها الامتنان لكل لحظة تقضيها معه، “لا أريده أن يكون مثل باقي الأطفال… كل ما أريده هو أن يكون سعيدًا.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى