كتبت: مروة ناصر
في السنوات الأخيرة، لم يعد تحضير “اللانش بوكس” مجرد تجهيز بسيط
لطعام الطفل المدرسي. مع تصاعد تأثير السوشيال ميديا، أصبحت صور
الساندويتشات المصممة بعناية وعلب الطعام المليئة بالألوان جزءًا من
مشهد يومي ضاغط للأمهات، بين حب الإبداع والرغبة في تلبية معايير
غير معلنة لما يعنيه أن تكوني “أم مثالية”
تقول الدكتورة نهى علاء، أخصائية التربية الصحية والغذاء، إن السبب
الرئيسي لاختلاف فكرة تحضير اللانش بوكس اليوم يرجع إلى تأثر
الأمهات ب “بلوجر ماميز” على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يسهم
هؤلاء المؤثرون في تشكيل أفكار الأمهات حول أهمية الأطعمة الصحية،
وتقديم وصفات وأفكار مبتكرة لتحضير لانش بوكس مشوق للأطفال. من
الناحية الإيجابية، ترى دكتورة. نهى أن هذه الظاهرة يمكن أن تساهم في
نشر الوعي الغذائي وتشجيع الأمهات على تحسين العادات الغذائية
لأطفالهن بطريقة أكثر تنوعًا وابتكارًا.
الصورة ليست وردية بالكام ل
تحذر د. نهى من أن الاعتماد المفرط على نصائح البلوجر قد يحمل
مخاطر، خاصة إذا لم تكن الوصفات المقدمة مدروسة غذائيًا، أو إذا تم
الترويج لمنتجات لا تستوفي المعايير الصحي ة. وتضيف أن “الأمهات قد
يتحولن إلى مهووسات بفكرة اللانش بوكس المثالي، مما يؤدي إلى
ضغوط نفسية غير مبررة على أنفسهن وعلى أطفالهن، وقد ينعكس ذلك
في صورة قلق دائم أو شعور بعدم الرضا”
الإحساس بالضغط يبدأ تدريجيًا حتى يتحول إلى شعور داخلي مزعج، كما
تصفه إحدى الأمهات قائلة: “كل صباح، وأنا أفتح السوشيال ميديا وأرى
صور اللانش بوكسات المزينة، أشعر أنني أقل من غيري. أسأل نفسي:
هل ابني سيشعر أنني لا أبذل مجهوًدًا كافيًا من أجله؟” وتضيف “في أيام
كثيرة، لو حضرت لانش بوكس بسيط، أشعر بالذنب، ولو حاولت أن
أبتكر وأشكل الأكل بطريقة مميزة، أشعر بالإرهاق والضغط العصبي،
وكأنني تحت امتحان يومي غير معلن.”
الدكتورة عزة عزت، الأخصائية النفسية، تفسر هذه الظاهرة قائلة إن
الإبداع في تحضير اللانش بوكس له جانب نفسي إيجابي في البداية، إذ
يعُبر عن حب الأم لطفلها، ويشجع الطفل على تجربة أطعمة جديدة
بطريقة محببة. ولكن عندما يتحول هذا الجهد إلى وسواس قهري مدفوع
بمقارنة الأم نفسها بالآخرين، يتحول إلى عبء نفسي شديد. وتوضح أن
المشكلة الحقيقية تبدأ عندما تشعر الأم بأنها ملزمة بإبهار طفلها يومياً، أو
ترى في بساطة اللانش بوكس دليلًا على فشلها كأم، ما قد يؤدي إلى تآكل
صورة الأم عن نفسها ويضعف علاقتها الطبيعية مع الطفل.
وسواس الأمهات يعود بالسل ب
وتروي رضا ناصر، تجربتها قائلة “في أيام المدرسة المزدحمة، بالكاد
ألحق بتحضير سندويتش بسيط مع بعض الفاكهة، لكن مقارنة ما أفعله بما
أراه على إنستجرام يجعلني أشعر وكأنني مقصرة بحق ابني.” تضيف:
“تراكم الشعور بالضغط الذهني والقلق أدى بي أحيانًا إلى الشعور
بالإرهاق وعدم القدرة على الاستمتاع بأوقا ت أكثر أهمية مع
طفلي، كاللعب أو الحديث أو مجرد حضن دافئ.”
كل هذه الضغوط تبرز أهمية العودة إلى الأصل: أن اللانش بوكس ما هو
إلا وسيلة لتقديم طعام صحي ومغذي، وليس لعرض إنجازات بصرية على
مواقع التواصل الاجتماعي.
وتوصي دكتورة. نهى علاء الأمهات بالاعتماد على مصادر موثوقة
ومعلومات علمية دقيقة فيما يخص التغذية، وعدم الانجرار وراء مظاهر
قد تكون مضللة أو مرهقة نفسيًا.
أما من وجهة نظر الاخصائية نفسية، فتؤكد د. عزة عزت أن أهم ما
يحتاجه الطفل هو الشعور بالحب والأمان، وليس صندوق أكل مصمم
بطريقة مثالية. فحضور الأم واهتمامها الحقيقي أغلى من أي تزيين أو
تلميع خارجي.
وبينما قد تساهم بعض الصور في إلهام الأمهات للتجديد في طعام
أطفالهن، يبقى الأهم أن تتذكر كل أم أن الحب لا يقُاس بعدد القلوب
المصنوعة من الجبن، ولا بتنسيق الألوان داخل علبة الغذاء، بل بحنان اليد
التي أعدت هذا الطعام وقلبها المليء بالحب والفائدة الصحية التي ترجع
على طفلها.