اللعب في حياة الطفل.. متعة بريئة وبوابة لنمو صحي ومتوازن

كتب: محمد النجار، هنا اسامة
يُعد اللعب من أهم الأنشطة التي تشكل حجر الأساس في حياة الطفل، خصوصاً خلال عامه الأول، إذ لا يقتصر دوره على التسلية، بل يُعد وسيلة أساسية للتعلم واكتشاف العالم. في كل لحظة لعب، يعيش الطفل تجربة جديدة تغذي حواسه وتعزز نموه الذهني والعاطفي والحركي. فالألوان الزاهية، والأصوات الجديدة، والأشكال المتنوعة، والملامس المختلفة، تُسهم جميعها في بناء عالم الطفل الصغير.
اللعب هو وسيلة الطفل الأولى لفهم محيطه والتعبير عن نفسه، كما أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتطوره النفسي والاجتماعي. تظهر فوائده في تحسين الاستقرار العاطفي، وزيادة التركيز، وتنمية المهارات الاجتماعية، وتحفيز الإبداع، بالإضافة إلى تعزيز النوم الهادئ والتقليل من مشاعر التوتر والغضب. ومن هنا، فإن حق الطفل في اللعب لا يقل أهمية عن حقه في التعلم، بل هو جزء لا يتجزأ من عملية التعلم نفسها.
تشير الدراسات إلى أن دماغ الطفل يمر خلال عامه الأول بمرحلة نمو عصبي متسارع، ويُعتبر اللعب أحد أبرز العوامل التي تسهم في بناء هذه الروابط العصبية. ومن أبرز فوائده: تعزيز التفاعل الاجتماعي، تقوية العلاقة بين الطفل ووالديه، تطوير حواس البصر واللمس والسمع، وتحسين التناسق الحركي. كما تساعد بعض الألعاب في تعليم الطفل مفهوم “ديمومة الأشياء”، أي إدراكه أن الأشياء تستمر في الوجود حتى وإن اختفت عن ناظريه.
يمتد تأثير اللعب إلى بناء شخصية الطفل، حيث يسهم في تعزيز الثقة بالنفس، وتطوير الذكاء، وغرس القيم الأخلاقية والسلوك الاجتماعي، خصوصًا في اللعب الجماعي الذي يعلم الأطفال احترام القواعد وتقبل الخسارة والتعاون مع الآخرين. كما يساعد اللعب التعبيري الأطفال على التنفيس عن مشاعرهم، والتعامل مع التوتر أو الخوف بطريقة صحية.
اختيار الألعاب المناسبة
لا تقل جودة اللعب عن أهميته، إذ يرتبط الأثر الإيجابي للعب باختيار الألعاب الملائمة لعمر الطفل ومرحلة نموه. في عامه الأول، يُنصح بالألعاب التي تُحفز الحواس وتنمي المهارات الحركية، مثل مكعبات البناء، والدمى القماشية، والألعاب المعلقة، وأدوات الموسيقى البسيطة. أما بعد عمر السنة، فيمكن إدخال ألعاب تركيب الأشكال، والألغاز المصغرة، لتنشيط التفكير وتعزيز مهارات حل المشكلات.
ولضمان بيئة لعب آمنة ومفيدة، يُنصح بمراعاة عدة معايير، منها التأكد من ملاءمة اللعبة لعمر الطفل، وتجنب القطع الصغيرة التي قد تسبب الاختناق، والابتعاد عن الألعاب الحادة أو القابلة للكسر. كما ينبغي تجنب الألعاب ذات الأصوات المرتفعة أو المزعجة، واختيار مواد غير سامة وخالية من المواد الكيميائية، لا سيما الألوان الصناعية. ويُوصى بعدم تقديم الأجهزة الإلكترونية قبل عمر السنتين، حتى وإن كانت تعليمية.
متى يصبح اللعب ضاراً؟
رغم فوائد اللعب الهائلة، إلا أن تأثيره قد يكون سلبيًا في بعض الحالات، خصوصًا إذا لم يكن هناك توجيه أو إشراف. ومن أبرز السلبيات: شعور الطفل بالإحباط نتيجة اللعب بألعاب لا تناسب عمره، أو فقدان الحافز بسبب امتلاكه عددًا كبيرًا من الألعاب. كذلك قد يؤدي الإفراط في اللعب، دون تنظيم للوقت، إلى ضعف التركيز وعدم احترام النظام، خاصة بعد عمر الأربع سنوات.
ويُحذر الخبراء من بعض أنواع الألعاب التي تروّج للعنف أو تسهم في تعزيز السلوكيات السلبية مثل الكذب أو الغش، فضلًا عن تأثير الأجهزة الإلكترونية المفرط، الذي قد يؤدي إلى مشكلات في النوم والتركيز، وأحيانًا العزلة الاجتماعية.
اللعب حق لا رفاهية
في المحصلة، يُعد اللعب حاجة إنسانية أساسية في الطفولة، لا مجرد نشاط ترفيهي. إنه الأداة التي يطوّر بها الطفل عقله وجسده، ويعبّر من خلالها عن مشاعره، ويبني بها علاقاته الأولى في الحياة. ومن مسؤولية الأهل والمربين توفير بيئة لعب آمنة، ومتوازنة، ومحفزة، تُمكن الأطفال من النمو بطريقة صحية وشاملة.