السمنة عند الأطفال.. بين العادات الغذائية ودور المجتمع

كتب: محمد النجار
تزايدت في الآونة الأخيرة معدلات السمنة بين الأطفال على مستوى العالم، ما دق ناقوس الخطر حول مستقبل الأجيال القادمة، ليس فقط على مستوى صحتهم الجسدية، بل أيضًا على مستوى جودة حياتهم النفسية والاجتماعية. في ظل هذا التهديد المتصاعد، أصبح من الضروري تجاوز الحلول التقليدية والبحث عن استراتيجيات متكاملة لمواجهة هذه الظاهرة.
الرياضة وحدها لا تكفي
يؤكد الدكتور محمد عزت عبدالعاطي، الخبير في صحة الطفل، أن الاعتماد على الرياضة المنظمة فقط لم يعد كافيًا للحد من انتشار السمنة، مشيرًا إلى أن الكثير من الأطفال لا يجدون متعة في الأنشطة الرياضية التقليدية، مما يجعلها عبئًا بدلاً من أن تكون وسيلة ممتعة لتعزيز صحتهم.
ويقول عبدالعاطي “التركيز على الرياضة وحدها قد لا يكون كافيًا. بعض الأطفال لا يجدون متعة في الألعاب الرياضية المنظمة، مما يجعلها عائقًا أمام تحسين صحتهم. يجب أن نبحث عن طرق بديلة لتحفيزهم على الحركة”
ويقترح دمج النشاط البدني في اليوم الدراسي، بحيث تصبح الحركة جزءًا من العملية التعليمية، وليس فقط أمرًا محصورًا داخل حصة التربية البدنية. ويضيف “يمكن إدماج الحركات البسيطة داخل الفصول، وتشجيع الأطفال على تبني نمط حياة نشط يتضمن التغذية السليمة والنشاط اليومي، بدلًا من الاعتماد على الأندية فقط”
البيئة المدرسية.. شريك أساسي في المواجهة
يشدد عبدالعاطي على الدور المحوري للمدارس، قائلاً “المدرسة يجب أن تكون بيئة مشجعة للصحة، لا تقتصر على تقديم المناهج الأكاديمية. كثير من الأطفال يشعرون بالإحباط من الأنشطة الرياضية التقليدية، لذا من المهم التنوع في طرق التفاعل معهم”
ويرى الدكتور عبدالعاطي أن العوامل الاقتصادية تشكل أحد أبرز أسباب السمنة، حيث تلجأ كثير من الأسر ذات الدخل المحدود إلى شراء أطعمة رخيصة ولكنها غير صحية.
“في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، تعتمد بعض الأسر على وجبات سريعة ومعلبة، وهذا يؤثر سلبًا على صحة الأطفال بشكل مباشر”.
تجربة أم: “غيرت أسلوب حياتنا بالكامل من أجل صحة طفلي”
وسط التقارير والإحصائيات، تبرز قصص الأمهات كمرآة واقعية لحجم المشكلة وطرق التعامل معها. تقول منى إبراهيم، وهي أم لطفل يعاني من زيادة الوزن:
“أنا كأم، لاحظت أن طفلي يعاني من زيادة في الوزن بشكل غير طبيعي، وهذا الأمر بدأ يقلقني. لذلك، قررت أن أتبع طرقًا مختلفة لمساعدته على خسارة الوزن الزائد بطريقة صحية وآمنة، وبدأت أتابع مع دكتور تغذية متخصص”.
توضح منى أنها بدأت التغيير من المنزل نفسه، حيث أعادت النظر في النظام الغذائي للأسرة بالكامل
“بدأت أقدم لطفلي وجبات صحية أكثر، مثل الفواكه والخضروات والبروتينات الخالية من الدهون، وقللت من كمية السكريات والدهون المشبعة”.
لكن التغيير لم يتوقف عند الأكل فقط، بل امتد ليشمل النشاط البدني اليومي:
“بقينا نحدد وقت معين في اليوم نمارس فيه الرياضة كعيلة، وبقى ده جزء من روتيننا اليومي. كمان سجلته في نادي للأطفال لأجل شان يلعب ويتحرك مع أصدقائه”
وتضيف منى “قللت من وقت الشاشة وركزت على الألعاب الخارجية اللي بتخليه يتحرك ويتفاعل أكتر. الموضوع مش سهل، لكنه يستحق، وأنا مؤمنة إن التغيير اللي عملناه هيأثر بشكل إيجابي على صحته ونفسيته”.
خبير تغذية: السمنة تبدأ من المطبخ
من جانبه، يؤكد الدكتور سامي الخولي، استشاري التغذية العلاجية، أن السمنة عند الأطفال تبدأ من العادات الغذائية اليومية داخل المنزل. ويقول ان“الأطفال لا يختارون طعامهم بأنفسهم، بل يكتسبون أنماطهم الغذائية من أسرهم. إذا لم يكن الوالدان قدوة في الأكل الصحي، فسيجد الطفل نفسه وسط خيارات غير متوازنة منذ البداية”
“الحل يبدأ من تعليم الأطفال معنى الغذاء المتوازن، والتقليل من السكريات والمأكولات المصنعة، مع التوعية المستمرة حول أهمية الحركة والنوم الجيد”.
الجانب النفسي: آثار طويلة الأمد
وفي سياق متصل، يحذر الدكتور مروان أشرف، استشاري الطب النفسي للأطفال، من التأثيرات النفسية العميقة التي قد تتركها السمنة على الطفل. ويقول:
“الأطفال الذين يعانون من السمنة قد يواجهون مشكلات في الثقة بالنفس، وتعرضهم للتنمر قد يؤدي إلى اضطرابات مثل القلق أو الاكتئاب. من الضروري أن يكون التعامل مع السمنة متوازنًا بين الدعم النفسي والتغييرات السلوكية”.
ويضيف “لا يجب التركيز فقط على الوزن، بل على بناء صورة إيجابية للطفل عن نفسه، مع تشجيعه لاختيار نمط حياة صحي دون إشعاره بأنه يعاني من مشكلة”.
يختتم الدكتور محمد عزت عبدالعاطي حديثه بدعوة للمجتمع بأكمله لتحمل مسؤولياته، قائلاً:
“السمنة ليست مشكلة طفل فقط، بل مشكلة مجتمع. التغيير يبدأ من دعم الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة. نحتاج إلى تكاتف بين الأسر، المدارس، والحكومات، لضمان تهيئة بيئة داعمة للنشاط البدني والتغذية الصحية”