هم النم

اضطرابات الأكل عند الأطفال: جرس إنذار صامت يهدد صحتهم النفسية والجسدية

كتب: محمد النجار

في السنوات الأخيرة، بدأت اضطرابات الأكل تتسلل إلى فئة عمرية حساسة للغاية للأطفال والمراهقين ،ظاهرة صامتة تمر على الكثير من العائلات دون ملاحظة، حيث قد تبدو بعض التغييرات في سلوكيات الطعام بسيطة، لكنها في الواقع إشارات تحذيرية مبكرة لأزمات صحية ونفسية معقدة.

من بين هذه العلامات فقدان الشهية المفاجئ، تناول كميات كبيرة من الطعام بسرعة، أو انشغال الطفل المفرط بمظهره الجسدي ووزنه وكلها، بحسب المتخصصين، مؤشرات لا يجب تجاهلها.

وفي تصريحات الدكتور محمود خليفة كساب، خبير الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، أوضح أن اضطرابات الأكل لم تعد نادرة كما كانت في السابق، بل باتت شائعة بين صغار السن بسبب ما يواجهونه من ضغوط نفسية واجتماعية متزايدة.

يقول الدكتور كساب، “بعض الأطفال يتأثرون سلبًا بالصور النمطية للأجسام المثالية التي تروجها وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يعاني آخرون من القلق أو التنمر داخل المدرسة، مما يدفعهم إلى تطوير علاقة غير صحية مع الطعام”.

ويوضح الدكتور كساب أن اضطرابات الأكل عند الأطفال ليست نوعًا واحدًا بل عدة أنواع، أبرزها

  • فقدان الشهية العصابي

يحدث عندما يبدأ الطفل أو المراهق في اتباع أنظمة غذائية صارمة بدافع الخوف المرضي من اكتساب الوزن، ما يؤدي غالبًا إلى فقدان مقلق وخطير في الوزن، وقد يصاحبه ضعف عام ومشاكل صحية.

  • النهام العصبي

في هذا النوع، يتناول الطفل كميات كبيرة من الطعام بشكل قهري خلال فترة قصيرة، ثم يحاول التخلص مما أكله عبر القيء المتعمد، أو استخدام الملينات بشكل مفرط.

  • اضطراب نهم الطعام

يُعرف بتناول الطفل كميات ضخمة من الطعام دون وجود محاولات لتعويض ذلك، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى السمنة ومضاعفات صحية أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب المبكرة.

ورغم خطورة هذه الاضطرابات، يشير الدكتور كساب إلى أن كثيرًا من العائلات لا تنتبه للمشكلة إلا بعد أن تتفاقم، وهو ما يجعل فرص التعافي أصعب. ويضيف “الانعزال الاجتماعي، تناول الطعام سرًا، الحديث المستمر عن الوزن أو شكل الجسم، كلها إشارات حمراء ينبغي على الأهل التعامل معها بجدية.” ويؤكد أن الاكتشاف المبكر هو العامل الأهم في نجاح العلاج، حيث تزداد فرص التعافي وتقل احتمالات حدوث مضاعفات نفسية أو جسدية طويلة الأمد.

أما عن خطة العلاج، فيوضح كساب أن اضطرابات الأكل لا تعالج عبر تغيير سلوكيات الطعام فقط، بل تحتاج إلى تدخل متعدد الجوانب، يجمع بين الدعم النفسي الفردي أو الأسري، والمتابعة الغذائية مع مختص، وأحيانًا تدخل طبي إذا ظهرت مضاعفات صحية ناتجة عن سوء التغذية. ويضيف أن الدعم العائلي يلعب دورًا محوريًا في رحلة العلاج، فوجود بيئة متفهمة وداعمة يساهم بشكل كبير في تجاوب الطفل وتقبله للعلاج.

وفي ختام حديثه، شدد الدكتور كساب على أن مسؤولية التصدي لاضطرابات الأكل لا تقع على الأسرة وحدها، بل يجب أن يتحمل المجتمع دوره أيضًا. ويقترح أهمية دمج برامج التوعية بالصحة النفسية والتغذية السليمة ضمن مناهج المدارس والمنصات التعليمية، إلى جانب مراجعة الرسائل الإعلامية التي تقدم للأطفال صورًا غير واقعية عن الجمال والمظهر الجسدي، فاضطرابات الأكل، كما وصفها، ليست مجرد مشكلة غذائية، بل صرخة طلب للمساعدة، تحتاج إلى أن نسمعها في وقت مبكر… قبل أن يكون الأوان قد فات.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى