أصبحنا في زمن فيه تفاصيل الحياة اليومية توثق بالصور والفيديوهات
وجدت الكثير من الأمهات أنفسهن في دائرة السوشيال ميديا حيث يتحول
الأطفال من كائنات صغيرة تكتشف العالم إل ى “محتوى” بل وفي بعض
الأحيان وسيلة للربح أو كسب المتابعين .
الأمر يبدو بسيط في البداية تبدأ بصورة لطفل يضحك، فيديو للحظات
عفوية، مشاركة لموقف حلو، لكن خلف الشاشات هناك واقع قاسي.
في صورة من الصور انتشرت مؤخرا تظهر فيه أم تصفق لطفلها الصغير
بعد أذيته لقطة باعتبارها جرأة من الطفل، وأم أخرى تضع لابنتها
الصغيرة ملابس لا تناسب سنها وتدفعها للرقص أمام الكاميرا، لكن خلف
كل ضغطة نشر، هناك طفل يتعرض لصدمات لا يشعر بها أحد وأثر
نفسي قد لا يظهر اليوم لكنه يرسخ بداخله للأبد.
الدكتور محمد صلاح الجندي استشاري الصحة النفسية، يصف هذا
الموضوع بوضوح قائلا ان هذا النوع من الأمهات يدمرون الطفولة بشكل
واضح بالاضافة للضرر النفسي الذي يعيشه الطفل وواقعه المختلف عن
باقي الأطفال، هذا الموضوع يترك أثر واضح في المستقبل بدايته ضعف
الثقة بالنفس حتى فقدان الأمان العاطفي .
ويضيف ان الأمهات التي تستغل طفلها كأداة للمحتوى تهز ثقته بنفسه
وتحرمه من معايشة طفولته كما يجب ان تكون وتزرع داخله مشاعر غير
مستقرة، فتجعله يشعر بعدم الأمان وأنه بلا قيمة بعيدا عن الكاميرا.
والنتيجة: طفل ينمو وهو مشوش نفسيًا
ولا يتوقف التأثير عند الطفل الذي تم تصوير ه فقط، بل يشمل الأطفال
المشاهدين لهذا المحتوى الذين يقضون ساعات أمام الشاشات يتابعون
تفاصيل حياة أطفال آخرين وما يتعرضون له من تعامل الأهل سواء كان
عنفا أو دلعا وكلا له تأثير مختلف .
ويؤكد الجندي، ان المحتوى المنتشر على السوشيال ميديا يترك أثر شديد
على الطفل المشاهد، فإذا كانت المقاطع الموجهة لطفل قاسية يشعر الطفل
بالخوف وعدم الأمان حتى داخل أسرته. وإذا كانت تلك المقاطع تبين حياة
رفاهية كالخروجات والهدايا والأطعمة يتربي داخل الطفل شعور بالغيرة
الشديدة مما يؤدي إلى عدم الرضا عن واقعه، بل وتوتر علاقته بأهله وقد
يصل الأمر لمشاجرات وسخط مع والدته.
من جانب آخر، تحكي إحدى الأمهات عن تجربتها الشخصية التي قررت
بعدها أن تتوقف نهائيًا عن مشاركة حياة ابنه ا على مواقع التواصل قائلة:
“عمري ما كنت أتخيل إن حبي لتوثيق كل لحظة حلوة في حياة ابني ممكن
يتحول في يوم لحاجة تضره أو أكون أنا اللي بضره. كنت بحط صوره،
ضحكته، ولحظاته الحلوة مع تحديات ومقالب، حتى في أوقات تعبه،
وافتكرت إن الناس كلها شايفاه زيي طفل يستحق الحب… لكن الحقيقة إن
السوشيال ميديا مش مكان آمن”.
تتابع الأم بندم شدي د
“ابني اتعرض لأذى نفسي ومعنوي بسبب إن حياته كانت متاحة للكل كل
شخص يعرف تفاصيل يومه وكل حد يراقب تطوره الجسدي والنفسي وده
سحب جزء من براءته وأنا كنت السبب. ومن يومها قررت إن حياتي كأم
هتكون بعيدة عن السوشيال ميديا، وهحافظ على خصوصيته قبل أي لايك
أو شير أو متابعي ن” .
وختمت تجربتها قائلة: “حياة ابني مش محتاجة جمهور، الذكريات محتاجة
حضن وأمان مش بوستات” .