سوبر ماما

أزمة نوم الأطفال: خطر صامت يهدد النمو والصحة النفسية

كتب: محمد امير
في وقت تنشغل فيه الأسر بمتابعة التحصيل الدراسي والأنشطة اليومية للأطفال،
يغفل الكثيرون عن عنصر بالغ الأهمية لا يقل أثرًا عن الغذاء أو التعليم، وهو
“النوم”. قلة النوم لدى الأطفال ليست مجرد ظاهرة عرضية، بل هي أزمة صحية
حقيقية قد تترك آثارًا جسدية ونفسية طويلة الأمد، تبدأ بتشتت الانتباه وتمر بسوء
الذاكرة والتطور السلوكي وقد تصل إلى اضطرابات في ضغط الدم والمناعة.
توضح الدكتورة هدى حجاج، استشارية نوم الأطفال أن النوم العميق والمتواصل
ليس رفاهية، بل ضرورة بيولوجية لنمو الدماغ وتعزيز التعلم وتخزين
المعلومات. وتشير إلى أن السبب الأكثر شيوعًا لقلة النوم هو اضطراب التنفس
أثناء النوم الناتج عن انسداد في مجرى التنفس العلوي مما يسبب الشخير أو
التنفس من الفم أو انقطاع النفس خلال الليل. وتضيف أن هذه المشكلة تنتشر بشكل
خاص بين الأطفال من عمر عامين إلى ستة أعوام وهي مرحلة حيوية في النمو
العقلي والبدني.
ومن بين المشكلات الأخرى التي تُضعف جودة النوم تبرز ظاهرة سلس البول
الليلي التي قد تعود إلى فرط نشاط المثانة أو خلل في الكلى أو التوتر النفسي.
وبينما قد تبدو هذه المشكلات طبية بحتة، فإن البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا
أساسيًا في دعمه أو تعقيد حالته بدءًا من الضوضاء والإضاءة، مرورًا بدرجة
حرارة الغرفة وصولًا إلى التعرض المستمر للشاشات قبل النوم.
وتنبه د. هدى إلى أن الحلول أحيانًا تكون أبسط مما نتوقع إذ يمكن لروتين هادئ
قبل النوم يتضمن قراءة قصة أو الغناء بصوت خافت أو حتى حمام دافئ، فهذا
يحدث فرق ملموس في نوم الطفل. كما أن نوم الطفل في الأشهر الأولى بين
والديه يعزز شعوره بالأمان ويساعده على الاستغراق في النوم بسهولة.
من جانبها، تحذر الدكتورة سما نصار، أخصائية الصحة النفسية للأطفال من
خطورة تغيير ساعة نوم الطفل، مشيرة إلى أن النوم في ساعات متأخرة يُربك
إفراز هرمونات النموويؤثر بشكل مباشر على التركيز والوظائف العقلية.
وتوضح أن أفضل وقت لنوم الطفل يبدأ من التاسعة مساءً وحتى منتصف الليل،
وهو التوقيت الذي يُفرز فيه الجسم هرمون الميلاتونين بشكل مضاعف، وهو
الهرمون المسؤول عن الاسترخاء وتجديد الخلايا .
وترى د. سما أن العشوائية في نوم الأطفال لا تؤثر فقط على نموهم الجسدي، بل
تنعكس على سلوكهم، فتزيد من نوبات الغضب وسرعة الاستثارة والتشتت في
الانتباه. وتضيف أن إهمال وجبات الطعام في أوقات مناسبة نتيجة اضطراب النوم
يؤدي إلى مشاكل تغذوية تظهر بوضوح في مرحلة الدراسة. وتدعو إلى ضرورة
بناء “روتين يومي ثابت” يبدأ من لحظة استيقاظ الطفل للمدرسة ويتضمن قيلولة
قصيرة ووقتا مخصصا للواجبات وينتهي بنوم منظم لا يتعدى العاشرة مساءً.
لكن، وبينما يجمع الخبراء على أهمية هذا الروتين، تنقسم آراء الأهالي بين التأييد
والتحفظ. الأستاذة نادين صلاح تؤكد أن تدريب الأطفال على النوم من أصعب
المهام التي تواجه الأهل وغالبا ما تعتمد الأمهات على خبرات سابقة أو نصائح
الجدات. في المقابل ترى الأستاذة إيناس شفيق أن التدريب غير المجدي غالبًا ما
يكون نتيجة لتطبيقه بطريقة غير مدروسة. أما الأستاذة هبة حافظ فتعتبره جزءًا لا
يتجزأ من صحة الطفل وراحته، بينما تبدي الأستاذة نورهان نصار قلقًا من أن
يكون فرض مواعيد النوم الصارمة سببًا في ضغط نفسي على بعض الأطفال
الذين قد يشعرون بأن وقت اللعب والمرح ينتزع منهم.
ورغم هذا الجدل يبقى المؤكد أن النوم السليم في عمر الطفولة هو اللبنة الأولى
لبناء إنسان متوازن نفسيًا وجسديًا، وأن تجاهل اضطراباته يعني فتح الباب على
مصراعيه أمام مشكلات مستقبلية قد يصعب تداركها لاحقًا
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى